-->

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

بائع الفجل، قصيدة صنعت فنان الشعب محمود بيرم التونسى !!


فنان أصيل مثل محمود بيرم التونسي (صاحب قصيدة المجلس البلدى، أو بائع الفجل) نموذج صادق للشخصية المصرية في مطلع هذا القرن لابن البلد الذي عاصر قمة التناقضات الاجتماعية وقاوم علي طريقته الخاصة جحافل المستعمرين ونادي بالحرية في صرخات أشبه بتلك التي أطلقها فولتير ومونتسكيو وجان جاك روسو من أجل تحرير فرنسا من طبقة النبلاء في القرن الثامن عشر.
وقد قدر لهذا الفنان العظيم أن يعيش طفولة بائسة وجافة في مسقط رأسه بالاسكندرية ما بين الكُتاب والدكان ومسجدي أبي العباس والبوصيري وعمل فى صباه عاملا وصبي بقال .
ولكن تسترعي نجابة الطفل أنظار أبيه وأفراد أسرته ويري والده أن يسلك الطفل في طريق العلم ويلحقه بكتاب الشيخ جاد الله في حي السيالة المعروف بالاسكندرية .
ويجد الطفل في شيخ الكتاب من القسوة ما يكره الكتاب إليه،  فيرتد إلي الدكان ليسير علي درب أبيه وجده في تجارة المنسوجات.
ولكن أبيه يأبي ألا أن يسير الفتي في طريق المعرفة ليكون عالما فقيها فيلحقه بالمعهد الديني وكان مقره مسجد أبي العباس.
كان من المفروض أن يقطع بيرم طريقه في سلك التعليم إلي نهايته يساعده علي ذلك ذكاؤه اللماح وحافظته القوية وشيء من المطالعات سبق به أترابه في هذه السن المبكرة ولكن وقع له حادث قطع عليه طريقه وغير خط حياته .
لقد مات أبوه وهو مازال في الرابعة عشرة فيضطر إلي الانقطاع عن المعهد ويرتد إلي الدكان ويتنكر له بنمو عمومته ويخرج من تجارة أبيه معدماً .
ثم يحاصره الفقر وتضيق به سبل الرزق فيشتغل عاملا ويعمل صبيا في دكان بقال وتموت أمه ويبدأ بيرم يشعر بوجع الحياة وحيدا محروما من العطف والحنان فقيرا لا سند له.
ولكن الفتي يشعر في قرارة نفسه أنه يملك موهبة لم يكشف بعد عنها وأنه لا يجد إرهاصات في حلقات الدروس التي كان لا ينقطع عنها .
هذا فضلا عن انكبابه علي القراءة فهو قارئ ممتاز يهضم ويتمثل ما يقرؤه في قدرة عجيبة .
وبحسبك أن تعلم أنه قرأ "الفتوحات المكية" لأبن عربي في هذه الفترة المبكرة من حياته وهو كتاب ينوء ويعبأ به ويتوه فيه كبار العارفين .
وعرف بيرم للقلم قيمته وقدر شرف الكلمة فارتبط منذ أول وهلة بالجماهير.
وتبني قضاياها عندما وقف إلي جانب الشعب ضد المجلس البلدي بالاسكندرية الذي كان يسيطر عليه الأجانب فنظم قصيدته المشهورة التي تبدو سخريته اللاذعة فيها .
فألهب بهذه القصيدة ظهور السادة الذين أرهقوا الشعب، كما ألهب بها وجدانات الجماهير التي راحت ترددها في كل مكان فذاعت وانتشرت وتجاوبت أصداؤها من أقصي مصر إلي أقصاها كما كانت تري وتنتشر ألحان سيد درويش في هذه الفترة.
ومع أن هذه القصيدة من الإنتاج المبكر لبيرم ويمكن إدراجها في باب المحاولات الأدبية لشاب ناشئ من شباب المتأدبين إلا أنها أحدثت رد فعل عنيف ودويا شديدا .
وكان لها صدي بعيد وكان لرواجها علي هذا النحو بداية انطلاق ومعرفة إسم بيرم في طريق الفن الأدبي وقد انفتح له فجأه فدخله من أوسع الأبواب.
ويجب ذكر أن قصيدة المجلس البلدي لم تكن أول أعمال بيرم التونسى .
فقد سبقتها محاولات نشرها في عام 1916 وبعضها أجود من قصيدة المجلس البلدي ولكن، وكما يقولون (حظوظ) .
وقد بلغ من رواج القصيدة أن بيرم عندما أصدر مجلته (المسلة) قدم نفسه لقرائها منسوبا إلي هذه القصيدة فكتب عنوانها علي الغلاف : (المسلة لصاحبها محمود بيرم التونسى، صاحب قصيدة المجلس البلدي)!!.

شكراً مقدماً على التعليق والمشاركة

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العرب سايت

2016